الجيل القادم من التصنيع

الجيل القادم من التصنيع

تحويل الالتزامات إلى أصول

مصانع كبيرة باعثة للكربون. الدول النامية. الأجور المنخفضة. الإنتاج الضخم لمنتج واحد متماثل تلو الآخر. هذه هي الصور التي تتبادر إلى الذهن عندما يفكر معظم الناس في التصنيع، ولكن لن يستمر ذلك لفترة طويلة.

اليوم، يدخل قطاع التصنيع أكثر مراحله إثارةً، ألا وهي: الجيل القادم من التصنيع (NGM). وقد وصلت ستة توجهات كبرى - الاستدامة، والرقمنة، والتخصيص الشامل، والتوطين، والشعبوية، والصناعة المبتكرة - إلى نقطة تحول في جميع أنحاء العالم، مما يوفر فرصةً فريدةً لشركات التصنيع لمواكبة هذه التوجهات وإعادة صياغة القطاع.

في الاستبيان العالمي الذي أجرته رولاند بيرجر وشمل 200 مسؤول تنفيذي، أشار 80% من المشاركين إلى أن شركاتهم تتعرض لضغوط لتحسين التكاليف والكفاءة بشكل مستمر. ويتوقع الجميع تقريبًا أن يستمر هذا الضغط أو يزداد خلال السنوات القادمة

تغيُّر التصورات

كان التصنيع محركًا رئيسيًا للازدهار الاقتصادي منذ منتصف القرن التاسع عشر. ولا تزال عمليات التصنيع التقليدية حتى يومنا هذا تشكل دعامة الاقتصاد العالمي؛ إذ تحقق ما يقارب 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالم، وقد تتجاوز النسبة هذا الرقم إذا أُخذت الخدمات ذات الصلة بالاعتبار.

مع ذلك، شهدت العقود القليلة الماضية تراجعًا في دور التصنيع ونظرة الجمهور له. ومع تزايد أهمية الاستدامة، زادت أيضًا مساهمة القطاع في تفاقم تغير المناخ. كما أصبح إسناد عمليات التصنيع إلى مصادر خارجية في البلدان النامية أكثر خضوعًا للتدقيق، بل وأصبح يفقد القبول والتأييد من العامة. بالإضافة إلى ذلك، سلطت الأحداث العالمية الكبرى الضوء على إخفاقات سلاسل التوريد العالمية التي تعتمد عليها معظم شركات التصنيع. وقد أجبرت جائحة كورونا وإغلاق قناة السويس والأزمة الأوكرانية الروسية التي اندلعت مؤخرًا، الشركات على إعادة التفكير في تأثيرها العالمي وشبكة سلاسل التوريد. ولم تعد الأزمة التالية تتعلق بمسألة "ماذا لو حدث" بل "متى سيحدث". وبالتالي، عند تنفيذ استراتيجيات التخفيف من المخاطر، يجب أن تتسلح الشركات بالسرعة والمرونة بقدر أكثر مما تسمح به عمليات التصنيع التقليدية.

تجاوز الحلول التقليدية

لطالما كان الحفاظ على انخفاض التكاليف وارتفاع الإنتاج من الأهداف التقليدية للتصنيع. أما الآن، فقد أدى تغيُّر التوجهات وتفضيلات العملاء إلى تعديل معايير تقييم الإنتاج.

على سبيل المثال، أصبح من الصعب جدًا إسناد عمليات الإنتاج إلى دول ذات يد عاملة أقل أجرًا، وذلك بفضل مواقف العامة واللوائح الحكومية الأكثر صرامةً. وقد أدى ذلك بدوره إلى زيادة الجهود المبذولة في مجالي الرقمنة والتوطين. ترغب الشركات في أن تكون ذات "أصول خفيفة" وأن تقوم بإسناد مهام التصنيع بالكامل لجهة أخرى. وتُفضِّل ألا تتجاوز مسؤوليتها التصميم والعلامة التجارية والتسويق والمبيعات. ولكن هذا ليس ممكنًا دائمًا بسبب إرث الأصول المادية التقليدية مثل المصانع والقوى العاملة والقيود المفروضة على الموقع ومتطلبات الاستثمار. أو إذا كانت الخاصية المميزة للخدمات تكمن ضمن عملية التصنيع نفسها. كما يمكن أن يكون تبني التحول الرقمي على نطاق أوسع أمرًا صعبًا وأعلى تكلفةً.

وبالنظر إلى التحديات العديدة، فقد يبدو الابتعاد عن التصنيع على أنه قرار حكيم، ولكنه خطأ استراتيجي على المدى الطويل. من خلال الابتعاد عن التصنيع والنظر إليه كالتزام، تُهيئ الشركات أعمالها لمواجهة العقبات على الطريق وستفقد في نهاية المطاف قدرتها على اكتساب ميزة تنافسية في بيئة مضطربة. وفي هذا السياق، يُعد الجيل القادم من التصنيع حلًا استراتيجيًا يمكّن الشركات من مواجهة التحديات والتكيف معها بشكل مرن وتحقيق النجاح على المدى الطويل.

نافذة من الفرص

لقد تغيرت الرؤية تجاه "القدرة التنافسية" للتصنيع من كونها قائمة على التكلفة فحسب ليتسع نطاقها بحيث تؤدي عوامل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والطاقة الخضراء وتعقيد سلسلة التوريد والمرونة والاعتمادية دورًا أكثر أهميةً في تحديد رؤية "القدرة التنافسية" للقطاع. ومن خلال فهم التوجهات الستة الكبرى التي تعيد صياغة منظومة التصنيع والتكيف معها، تُتاح للإدارة فرصة إعادة صياغة استراتيجية الشركة لإيجاد حلول أكثر ربحيةً ومرونةً واستدامةً.

التوجهات الستة الكبرى للجيل القادم من التصنيع

    • تُعد الاستدامة توجهًا مستمرًا، ويمكن أن تحقق فوائد مالية وبيئية كبيرة للشركات إذا استُغلت بذكاء
    • يهدف التركيز المتزايد على التوطين إلى الحد من المخاطر الجيوسياسية ومخاطر سلسلة التوريد التي تتعرض لها الشركات، بالإضافة إلى دعم توجه المستهلك إلى الاحتفاء بالثقافات المحلية والتراث
    • .تعمل الحكومات الشعبوية على تشجيع وتحفيز الشركات بشكل متزايد على تعزيز التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات
    • تزايد الطلب على التخصيص الشامل وتوفير قيمة فريدة للعملاء - مما قد يؤدي إلى زيادة التعقيد والتكلفة إذا لم يخضع الأمر لدراسة وافية
    • يؤثر التطور التقني في الصناعة، مثل الاقتصاد التشاركي والمركبات الكهربائية في قطاع السيارات، بشكل كبير على منظومة التصنيع من خلال خلق طلب متقلب وغير متوقع
    • حقق التطور السريع للرقمنة والثورة الصناعية الرابعة تطورًا ملموسًا في عمليات التصنيع في العديد من المجالات، بحيث أن التقدم يجعل العديد من الأنظمة القديمة إما غير فعالة تمامًا أو باهظة الثمن ولا يمكن الاستمرار في استخدامه

يختلف الأثر الحالي والمستقبلي لهذه التوجهات باختلاف القطاع. على سبيل المثال، تعد الاستدامة محركًا رئيسيًا في قطاع الأزياء والسلع الاستهلاكية، ولكنها قد لا تتمتع بالأهمية نفسها في قطاع السلع الرأسمالية، حيث تكتسب الأتمتة والرقمنة أهميةً كبيرةً. كما تختلف قوة التوجه من منطقة إلى أخرى، وهو ما يتضح في رادار الدول للجيل القادم من التصنيع "NGM Country Radar" الذي قمنا بابتكاره

تأمين الميزة التنافسية

في المشهد الاقتصادي الحالي، لم تكن ضرورة التغيير الجذري لعمليات التصنيع التقليدية وإعادة صياغتها أشد إلحاحًا من الآن. تساعد الخدمات الاستشارية التي تقدمها رولاند بيرجر العملاء على تبني الجيل القادم من التصنيع لإنشاء منهجيات أقوى قائمة على الابتكار. ومن خلال الاستفادة من التوجهات الستة الكبرى للجيل القادم من التصنيع، يمكن للشركات تحويل كفاءاتها التصنيعية وأصولها الإنتاجية إلى ميزة تنافسية حاسمة.

يشجع منهج الجيل القادم من التصنيع شركات التصنيع والأعمال التجارية على حد سواء على إعادة النظر في استراتيجيات التصنيع المتبعة لديها. كما تتوفر عوامل دعم جديدة يمكن لشركات التصنيع النظر فيها لتلبية احتياجات العملاء المتغيرة في مختلف القطاعات. فبدلًا من التركيز بشكل كامل على تعزيز الإنتاجية مع الحفاظ على انخفاض التكاليف كما كان الوضع سابقًا، يجب تغيير اتجاهها نحو استعادة القدرة التنافسية في عصر جديد من التصنيع.

المنشورات

تقدم شركة رولاند بيرجر بشكل منتظم منشورات حول الجيل القادم من التصنيع وما يرتبط به من الفرص المتاحة للشركات. ونبين فيما يلي مجموعةً مختارةً من منشوراتنا الحالية التي تتضمن أحدث نتائج البحوث وتقييمات الخبراء والسيناريوهات المستقبلية.

اشترك في نشرتنا الإخبارية

Register now to receive regular insights on Next Generation Manufacturing.